تهنئة الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأراضي المقدسة | Custodia Terrae Sanctae

تهنئة الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأراضي المقدسة

في الترنيمة التي ألفها القديس فرنسيس للاحتفال بعيد الميلاد يذكرنا بقوله: "الطفل الأكثر قداسة أعطِي لنا، ووُلد لأجلنا على الطريق ووُضع في مذود لأنه لم يكن لديه مكان في النُزُل".

نتأمل كل يوم المكان الطبيعي في بيت لحم، "على الطريق"، حيث وُلد يسوع من مريم العذراء. وهناك نوقّر المذود يوميا حيث وُضع فيه. ويذكرنا الواقع الطبيعي لهذا المكان بحقيقة أن ابن الله اختار أن يشاركنا تاريخنا وحياتنا بطريقة فعلية. فسر التجسد ليس عرضا لحقيقة يتصرف الناس إزاءها بالتظاهر، أمام كاميرا تلفزيونية، لعيش أوضاع حقيقية. يسوع جاء من نسل ملكي، ومع ذلك وجد نفسه مولودا على الطريق، لأنه في واقع الأمر لم يجد مكانا يرحب به أو يستضيفه. وجد نفسه مولودا على الطريق كإبن لأبويْن مهاجريْن - كما نقول هذه الأيام - أكثر من كونه سليل عائلة ملكية.



هذه الحقيقة وهذا الاختيار اللذان نحتفل بهما يوميا في بيت لحم، ولكننا نعيشهما مرة أخرى في العالم بأسره لا سيما خلال هذه الفترة المهمة من عيد الميلاد، يذكراننا بحقيقة أن ابن الله يأخذ وضعنا الإنساني على محمل الجد. فيسوع يميز نفسه بالوضع الذي وجد نفسه فيه، "على الطريق"، ليس بدافع اختيار شخصي، بل بفعل الضرورة. وُلد على الطريق لأنه كان مضطرا إلى إيجاد عمل في مكان آخر. وُلد على قارعة الطريق لأنه اضطر إلى هجرة ظرف كان فيه ضحية تمييز ولم يُتِح له أن يعيش في بيته بكرامة. وُلد على الطريق لأن الحرب انتزعته من بيته الخاص. وُلد على الطريق لأن الحرب اقتلعته من بلده وحوّلته إلى لاجىء. هذه هي الطُرق التي يميّز بها ابن الله نفسه ولا يزال حيث وُلد في بيت لحم على الطريق، لأنه لا يوجد مكان له بينما نعيش نحن بشكل طبيعي ونجد مكانا لنا.

ومع ذلك، يذكرنا هذا الطفل بكلمات القديس فرنسيس، الذي يردد كلمات الإنجيل والليتورجيا: "أعطِيَ لنا، ووُلد لأجلنا" وقد نجد أنفسنا أيضا محرومين من كل شيء، وحيدين على طول الطريق، لكن إذا تلقينا هذه الهدية تمتلىء حياتنا بالمعنى. فيسوع هو الهدية الحقيقية التي ننتظرها. ويسوع هو الهدية الوحيدة التي تستطيع أن تملأ قلوبنا. يسوع هو الهدية التي تملأ حياتنا. وبدون هذه الهدية فإن كل ما لدينا هو لخدمة معيشتنا، لكنه لن يكون مفيدا للعيش بطريقة كاملة وأصيلة. يسوع وُلد لأجلنا. "برو نوبس" “Pro nobis” هي الكلمة اللاتينية، التي تجعلنا نفهم حقيقة أن حياة ذلك الطفل كلها كانت حياة معطاة "لنا"، حياة استقينا منها فائدة عظيمة: خلاصنا، وإمكانية أن نصبح معه أطفالا لله نفسه، وإمكانية الامتلاء بالحياة والفرح اللذيْن يشكلان سمة إلهية. وُلد على الطريق وأعطِي لنا على الطريق، وأصبح بالنسبة لنا الطريق المؤدية إلى الحياة، والسعادة، والامتلاء بالحب. دعونا نتأمل المذود في مغارة بيت لحم، هناك نستطيع أن نفكر من منظور الجلجلة والصليب، ونفهم بحق المغزى من تعبير أن ذلك الطفل "وُلد لأجلنا."

وبالنيابة عن فرنسيسكان الأرض المقدسة وبالأصالة عن نفسي، أتمنى لكم الفرح ليس أمام الطفل الصغير في المذود فحسب، بل أيضا أمام كل طفل من لحم ودم، تصل إلينا ذراعاه ويطلب أن يكون مقبولا. ففي ذلك الطفل نستطيع أن نرى إلى أي حد أصبح ابن الله صغيرا بالنسبة لنا. أصبح صغيرا بطريقة حقيقية وليس بالمعنى المجازي.

أتمنى لكم جميعا، وخصوصا أولئك الذين يشعرون بأنهم يعيشون "على الطريق" في وضع هش وضعيف، أن تشعروا أنكم مشمولون بنظرة ورعاية الأم مريم العذراء، ورعاية القديس يوسف الذي يقف بجانبها.

أتمنى لكم جميعا أن تعرفوا كيف تنتقلون من الشعور إلى العمل، لتميّزوا، في هذه اللحظة الراهنة، ابن الله الذي لا يزال يطلب منا أن نرحب به "على الطريق"، والذي قد لا يجد مكانا بيننا أو يُضطر للبحث عن ملجأ في مكان آخر.

عيد ميلاد سعيدا لكل واحد منكم، وإلى عائلاتكم ومجتمعاتكم.