الأحد الأول من الزمن الأربعيني في القبر المقدس | Custodia Terrae Sanctae

الأحد الأول من الزمن الأربعيني في القبر المقدس

"إن الزمن الأربعيني هو زمن توبة، والتوبة تعني العودة إلى المسيح، وإلى إنجيله، من خلال ممارسة الصوم، والصدقة والصلاة"، حسبما أشار إليه الأب أرتيميو فيتوريس، نائب الحارس.
من بين هذه الممارسات التي تأخذ شكلاً خاصاً خلال الزمن الأربعيني، يذكر الأب أرتيميو، بالنسبة للجماعة الفرنسيسكانية المقيمة في مدينة القدس، المشاركة في مختلف الفروض الدينية والإحتفالات التي تقام في القبر المقدس وكذلك رحلات الحج التي تقام بشكل خاص خلال الزمن الأربعيني.
نرجو أن لا يفهم من ذلك بأن الإحتفالات الليتورجية في القبر المقدس هي حمل ثقيل أو "عمل توبة وتكفير عن الخطايا" خاص بالزمن الأربعيني! وإن كان من الصحيح أيضاً بأن هذه الليتورجية مكثفة وتتطلب جهداً خاصاً.
الأمر ليس كذلك أبداً، فالحقيقة هي أن حراسة الأراضي المقدسة قد تصورت الليتورجية التي تحتفل بها في القبر المقدس، على انها، وبحسب النهج التربوي والتعليمي الذي تحتويه الليتورجية، مجموعة من الخطوات والمراحل التي ترفعنا شيئاً فشيئاً وتقربنا من شركة أكبر في السرّ الفصحي.
تحتوي آحاد الزمن الأربعيني على معانٍ خاصة ومعبرة. من ناحيتهم، يدعوا الفرنسيسكان باستمرار البطريرك ليأتي ويشارك في هذا الإحتفال الذي يقام في القبر المقدس. وجرى التقليد على أن يذهب الفرنسيسكان، حراس هذا المكان المقدس، صباحاً الى البطريركية لإصطحاب البطريرك، ودعوته للمشاركة في قداس جرت العادة أيضاً على أن لا يترأسه ولا أن يلقي فيه العظة بنفسه.
ألقى عظة هذا الأحد الأول من الزمن الأربعيني، 17 شباط، قدس الأب فراس حجازين، كاهن الرعية. هنا، حيث نعيش، في هذا العالم، وكما هو، مع التجارب التي فيه، هنا يجب علينا الإقتداء بالمسيح وذلك بتقدمة أنفسنا إلى الرب، دون أن نذخر شيئاً. ذلك كان جوهر العظة التي ألقاها.
--------
ألقى الأب فراس العظة باللغة العربية، وكذلك رنَّم الإنجيلَ باللغة العربية الشماس الإنجيلي، الأخ "ساندرو توماشيفيك".
أصغى جميع إخوته الإكليريكيين بإنشداد إلى الكلمات الإنجيلية التي ألقاها على مسامعهم، رغم عدم مقدرة الغالبية منهم على فهم اللغة العربية، ولكنها بدت منهم بمثابة لفتة تشجيع له. كذلك بدت واضحة للغاية على وجوه طلاب اكليريكية البطريركية ملامح الفضول والتعجب. حتى البطريرك نفسه، قد أظهر إهتماماً خاصاً بصوت هذا الشماس الشاب.
في الحقيقة، ينتمي الأخ ساندرو إلى الجنسية الكرواتية. أرسله إقليمه الفرنسيسكاني إلى القدس ليتم تنشأته الإكليريكية فيها. وما أن وصل في شهر أيلول من عام 2010، حتى بدأ الأخ ساندرو بتعلم مبادئ اللغة العربية برفقة شباب من أبناء الرعية. "كنت منتمياً، في مسقط رأسي، إلى الشبيبة الفرنسيسكانية. وعندما وصلت إلى هنا (كان عمره 26 عاما) أردت أن ألتقي مع الشبيبة العاملة المسيحية. أن أتعرف على أعضائها من خلال ثقافتهم."
يتمتع الأخ ساندرو بموهبة حقيقية في تعلم اللغات، فبالإضافة إلى اللغة الكورواتية، لغته الأم، يتكلم الأخ ساندرو بطلاقة كلا من اللغتين الإيطالية والإنجليزية، ولديه كذلك مبادئ جيدة في اللغتين الإسبانية والألمانية، وها هو قد بدأ، منذ سنتين فقط، في تعلم اللغة العربية المحكية، التي يمارسها قدر المستطاع مع شبيبة الرعية التي يجذبها إليه ولا شك، إبتسامته، طبعه اللطيف وحماسه الراعوي، إضافة إلى عزفه على الجيتار.
هذا هو الأحد الثالث على التوالي الذي يلقي خلاله الأخ ساندرو الإنجيل باللغة العربية. شعرنا به في البداية متوتراً قليلاً. "قد تدربت على القراءة مدة خمسة أو ستة أيام". وعندما عاد ليجلس في مكانه ويستمع للعظة، رأيناه في شدة الإنتباه والتركيز في تأدية خدمته الشماسية. أدركنا كذلك بأن الإبتسامة التي إرتسمت على وجوه الإكليريكيين والمؤمنين العرب، قد عبرت عن إعجابهم بحسن الأداء.
بالنسبة للأخ ساندرو فإن فرحه مضاعف: أولاً لكونه شماساً إنجيلياً، وثانياً لأنه قد ألقى الإنجيل للمرة الأولى في القبر المقدس، ووسط الثقافة التي دعاه الرب إلى الإلتقاء بها. إن السرعة التي بدأ بها الأخ ساندرو في تعلم اللغة العربية، دون أن يكون منتمياً إلى إقليم حراسة الأراضي المقدسة، لتستحق الذكر والتقدير. إلا أننا لا يجب أن ننسى بأن رهبان الحراسة قد إعتادوا على هذا الواقع. فكم من الإخوة الإيطاليين أو الإسبان يتقنون اللغة العربية وأحياناً العبرية أيضاً! فالأخ أثناسيوس مثلاً،أمريكي من ولاية تكساس، لم يكن أقل حماساً لقضاء فترة من الوقت في إحدى الرعايا في سوريا.
مَرَّتْ بِضعُ سَنَواتٍ، ضعف خلالها الميل في الحراسة إلى تعلم اللغات المحلية، إلا أن حارس الأراضي المقدسة الحالي لم يلبث أن أضاف سنة لتعلم اللغات. فعلى كل أخ من الرهبان الشباب في حراسة الأراضي المقدسة، أن يكرس سنة من مسيرة تنشئته الفرنسيسكانية لتعلم إحدى لغات الحراسة: وإن كانت الأولوية تعطى لتعلم العربية أو العبرية أو اليونانية، إلا أن ما من شيء يحول دون تعلم، أو التقدم في تعلم، لغة أخرى. هكذا، يهيئُ رهبان حراسة الأراضي المقدسة أنفسهم لخدمة أكبر عدد ممكن من الناس، كل في لغته الأصلية.