كان سينودس الشرق الأوسط خبرةَ شركة ومشاركة تكللت بالنجاح، تواصلت خلاله الكنائس المختلفة مع بعضها البعض بحرية كبيرة: لأن إختبار الشركة وعيشها، كانتا النتيجة الحقيقية التي جاء بها هذا السينودس، والتي ستعطي في المستقبل القريب ثمارها. هذا ملخص لما رواه بعض الإخوة الفرنسيسكان من حراسة الأراضي المقدسة - الذين شاركوا في الجمعية الخاصة بالشرق الأوسط لأساقفة السينودس، الذي عقد في حاضرة الفاتيكان بين 10 و24 تشرين الأول- وذلك خلال لقاء كبير، أقيم يوم الإثنين 1 تشرين الثاني، في دير المخلص في القدس، عرض خلاله ملخص عن أعمال السينودس.
مهد للقاء الأب "Marcelo Cichinelli"، منسق التنشئة المستمرة في الحراسة، حيث قام بتقديم المشاركين في اللقاء، ومنهم الأب بييرباتيستا بيتسابالا، حارس الأراضي المقدسة، والأب "Claudio Bottini"، وكذلك الأب "Frédéric Manns" من المعهد البيبلي الفرنسيسكاني، الذي شارك أيضا في أعمال السينودس بصفته خبيرا، ومساعدا "لأمانة سر السينودس العامة والخاصة"، في مجال الإطلاع على الملخصات والملاحظات التي تصل إليها، إضافة الى مشاركته في النقاش داخل "الحلقات الصغيرة" لصياغة "المقترحات" التي يتم لاحقاً رفعها للتصويت عليها في "القاعة" وتقديمها للأب الأقدس.
شرع الأب "Bottini" أولاً، بعرض صورة ملخصة توضح أهمية الدور الذي لعبه السينودس كونه مؤسسة جماعية في الكنيسة (يمكنك قراءة المداخلة بالكامل)، ثم قام بتفصيل المجموعات والمهام التي تقلدها المشاركون في السينودس، الذين مثلوا الواقع المتنوع في كنيسة الشرق الأوسط: "كانت ‘جمعية خاصة للشرق الأوسط’ –أي أنها لم تكن ‘جمعية عادية’ (مثلا، كتلك التي عقدت قبل سنتين وكان موضوعها: كلمة الله)، جمعت أساقفة الشرق الأوسط معا للتفكير حول موضوع: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة." كان للسينودس هدف مزدوج: تمثل الهدف الأول في تثبيت المسيحيين في هويتهم وتعزيزها، بفضل كلمة الله والأسرار؛ أما الهدف الثاني فقد تمثل في ضرورة تجديد الشركة الكنسية بين مختلف الكنائس في الشرق الأوسط والارتقاء بها، فتعطي الكنائس بذلك شهادة حياة أصيلة ومؤثرة، تغطي البعد المسكوني، كما والحوار بين الأديان، إضافة الى الطابع الإرسالي." نقل الأب "Bottini" لنا كذلك مشاعره الخاصة حيال هذا الحدث الكنسي الذي، ولأول مرة في التاريخ، جمع حول أسقف روما، وراعي الكنيسة الجامعة، أساقفة منطقة الشرق الأوسط جميعهم. بالنسبة لقداسة البابا، فقد لاحظ الأب "Bottini" ما لديه من "حضور يتسم بالبساطة وقلة الكلام، كأب وراع: صلى قداسة البابا وأصغى أكثر مما تكلم، وخصص وقتا لتناول الطعام مع جميع أعضاء الجمعية السينودسية، كما ودقيقة للحديث مع كل فرد منهم، موجها تحية خاصة الى الجميع."
وفي مداخلته، وصف الأب بييرباتيستا بيتسابالا السينودس "بالخبرة الكنسية الجميلة"، مشيرا الى حرية التعبير التي تمتع بها مختلف الآباء السينودسيين دون أن يكون هنالك أي نوع من الرقابة: "في الجزء الأول من السينودس، دعي كل واحد من الآباء السينودسيين لإلقاء كلمة مدة خمس دقائق. ورافق أعمال السينودس حضور ممثلَين عن الكنائس الأرثوذكسية وجها تعبيرا ناقدا لقداسة البابا. وكانت المجالس الأسقفية قد نُظِّمَت بحيث يتم تفادي التكرار. وفي الأرض المقدسة أيضاً، توصلنا الى إتفاقية أقرت في شهر تموز. وخلال النقاش، تم التباحث في موضوعين رئيسيين: أولا، أننا مدعوون للعيش هنا، حيث تمتد جذورنا؛ وثانيا، كيف نعيش هذا الواقع اليومي الذي إليه قد دعينا. طغت خلال مراحل السينودس المختلفة المقترحات ذات الطبيعة الاجتماعية والرعوية على المقترحات ذات الطبيعة اللاهوتية أو الروحية." العلاقات مع المسلمين، كانت من أكثر الموضوعات التي نوقشت، بينما لم يتم التطرق بشكل كبير الى العلاقات مع اليهود: "أمام الحاجة الملحة لدى الجميع الى الحرية الدينية وحرية الضمير، ترددت أصوات الكثيرين من أبناء الشرق الأوسط، فمنهم من يعيش في معاناة وإضطراب، كما في العراق وايران، ومنهم من يعيش خبرات أكثر إيجابية، كما في سوريا على سبيل المثال. دار أيضا نقاش حول "العلمانية الايجابية" أو بالأحرى "المواطنة الكاملة"، كما يفضل الأساقفة تسميتها.
نوقشت أيضا بعض الإشكاليات الأخرى، منها الحوار المسكوني والعلاقة بالحركات الكنسية، التي تكون في بعض الأحيان إيجابية، لكنها تنقلب في أحيان أخرى لتصبح صعبة. من ناحية أخرى، لم تتناول الكثير من المداخلات الدور الذي تلعبه العلمانية أو دور المرأة، بينما قيل الكثير في شأن الاتصالات والإعلام." ينتقل الشرق الأوسط اليوم، وبشكل متزايد، ليصير في مكان آخر: وقد شدد حارس الأراضي المقدسة على ناحية يمكننا أن ندعوها ‘بالجيو-راعوية’، حيث قال: "يظهر بشكل واضح اليوم، أنه لم يعد هنالك وجود لأي حدود جغرافية، وأن تعبير ‘الشرق الأوسط’ قد أصبح من الناحية الجغرافية نسبياً، وبشكل متزايد. على سبيل المثال فإن 80% من الكاثوليك المقيمين في السويد هم من الكلدانيين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كنائس مارونية تعود الى الجيل الثاني والثالث ولهم أساقفتهم، وإن 50% من المسيحيين في الشرق الأوسط –من مسيحيين محليين ومهاجرين فلبينيين- يقيمون اليوم في الإمارات العربية. ترافق كل ذلك بالطبع مشاكل رعوية وقانونية جديدة."
من الأمور التي بقيت عالقة في ذاكرة الأب "Manns" كان التأمل الذي ألقاه قداسة البابا خلال ليتورجية الساعة الثالثة التي أقيمت في اليوم الأول للسينودس، والتي كانت عبارة عن تفكير عميق في موضوع ‘سقوط الألوهية’ (فنجد اليوم: الأيديولوجيات الإرهابية، والمخدرات، وأساليب حياة مزيفة تنشأ عن الرأي العام، والعبودية الإقتصادية الناشئة عن الشراكات المتعددة الجنسيات). مفتاح هذا التأمل كان المزمور (81) الذي جاء فيه: "قد قلت: أنتم آلهة وبنو العلي كلكم. كلا! بل كالبشر تموتون وكرجل واحد ، أيها الرؤساء، تسقطون".
قدم اللاهوتي " Frédéric Manns " بعد ذلك، عرضا لإثني عشر إقتراحاً في محاولة لفهم ما معنى: "أن نكون مسيحيين في الشرق الأوسط" (يمكن قراءة الوثيقة بالكامل). أن نكون مسيحيين في الشرق الأوسط هي دعوة، وليست إمتيازا؛ ويعني ذلك الإيمان بالله-الثالوث، كما ويعني كذلك أن نكون شهودا للرجاء الذي سيأتي، في كنيسة إكتست ثقافة معينة، ونمت وعاشت في عالم ينتمي الى العرق السامي، يرى جذوره ممتدة في العهد القديم وفي الديانة اليهودية، كما وتعني هذه الدعوة أيضاً أن المسيحيين في هذه المنطقة مدعوون للبحث عن صورة الله في كل إنسان، وخاصة في المسلم، الذي يتوقعون منه أيضا المعاملة بالمثل. تُظهر العولمة اليوم تحديات جديدة تتطلب في المقابل تعليما مسيحيا مناسبا، يتنفس بكلتا الرئتين: الشرقية والغربية؛ ومن هنا فإننا نرى في رحل الحج المنظمة، الى مصر وسوريا ولبنان والأردن وآسيا الصغرى، وسائل هامة ومميزة قد تسمح بلقاء الحجارة الحية -جماعة المؤمنين- معا، لتخرج بأشكال جديدة من المعرفة والتعاون المتبادلين. كان أول سؤال طرحته الجمعية على وجه التحديد، مختصا بمسألة الأماكن المقدسة، إذ أحست بأن السينودس قد أولى هذه المسألة إهتماما ضئيلا. أجاب الأب بيتسابالا بأنه، ومن الناحية العملية، قد قيل القليل جدا في شأن الأماكن المقدسة وأن مدينة القدس نفسها قد أخذت في إطار السينودس بعدا ضيقا مقارنة بالإهتمام الكبير الذي أولى به السينودس مسألة الإنتشار الجغرافي وقضايا الحياة الاجتماعية. مع ذلك، فقد جاء الاقتراح السابع ليتناول مسألة الحج الى الأنحاء المختلفة من الشرق الأوسط، وقد كان لحارس الأراضي المقدسة في ذلك، ولا شك، دور هام لعبه في قاعة الإجتماعات. من ناحية أخرى، وحسب ما قال الأب "Bottini" (الذي لم يغفل عن ذكر الشهادة الإيجابية التي قدمها المندوب الأخوي عن كنيسة انجلترا)، فإن أهمية صحيحة أعطيت لهذه القضية؛ وفي هذه المسألة أيضاً أحال الأب " Manns " الى المساهمات التي قدمتها مجموعة الدراسة التي شارك فيها، والتي ضمت مندوبين من لبنان ومصر، حيث نقلوا من خلالها ما تواجه مؤمنيهم من صعوبات حيال المشاركة برحل الحج.
وعلى سؤال تناول موضوع الشركة بين الكنائس وكذلك "التبشير الجديد"، أجاب الأب بيتسابالا بأن في الواقع، فإن هذا التعبير الأخير تعبير واسع للغاية (بعضهم يستخدمه لوصف العلاقات مع الحركات الكنسية، وغيرهم للتعبير عن حركة التجديد داخل الأبرشيات)، ولكن من ناحية أخرى فإن الجميع يختبر الحاجة إلى التبشير الجديد. إلا أن هذه المسألة، ولاشك، هي مسألة حساسة: إذ روى لنا الأب "مانس" قصة ثلاثة سفراء، تبادر الى مسامعهم نبؤ وجود إتفاق كبير يتناول مسألة "الرسالة" فذهبوا الى الكاردينال "توران" (Tauran)، رئيس المجلس الحبري للحوار مع الأديان، يسألونه التوضيح بخصوص هذا الأمر الذي بدى لهم وكأنه دعوة الى "حروب صليبية جديدة". يشير الأب "Bottini"، الى أن قداسة البابا قد وكل الى الأساقفة مهمة البحث عن نماذج واقعية للوحدة والتعاون.
كانت هنالك أيضاً العديد من المداخلات في السينودس التي تناولت موضوع الحياة المكرسة، كما وكان هنالك العديد من الأساقفة الذين ينتمون الى جمعيات رهبانية. ويروي لنا الأب "Bottini"، بأن كثيرين أشادوا بالدور الذي يلعبه الرهبان شاكرين لهم جهودهم، وخاصة في مجالي التعليم وأعمال المحبة، بل وإن إقتراحا نهائيا صدر يتناول هذا الموضوع. من ناحية أخرى، نوه الأب "Manns" الى أن بعض الشرقيين قد تناولوا بالإنتقاد أسلوب الحياة التأملية وأن الرئيس العام لرهبنة الإخوة الأصاغر، " José Rodriguez Carballo "، قد تبنى، على العكس من ذلك، الدفاع عن هذا النمط من الحياة المكرسة، وقد نال في وقت لاحق شكراً خاصا من قبل قداسة البابا.
لكن، ما هي النتائج الحقيقية للسينودس؟ وما هو الجديد؟ وما هي الخطوات الجديدة التي ينبغي على مسيحيي الشرق الأوسط إتباعها؟ السينودس ليس هيئة للتداول، فقد ذَكَّر الأب بيتسابالا المشاركين بأن: السينودس قد شكل، وبكل بساطة، فرصة لعيش الشركة والمشاركة وإختبار معناها، وإن هذا بحد ذاته لأمر مهم للغاية، يحدث لأول مرة في التاريخ. تكونت صداقات، تعرف المشاركون على بعضهم البعض بشكل أفضل، وهذه وحدها نتيجة كبيرة. يقول الأب "Bottini" بأن العديد من القضايا الواقعية قد طرحت ونوقشت في اللجان، وتناولت هذه القضايا مسائل مرتبطة بالأرض، وأساليب التعاون، وعودة المهاجرين وبيع الأملاك. وقد أشار الأب "Manns" إلى أن قرارات واقعية ستؤخذ في مجالس الأساقفة ورؤساء الكنائس، وعلينا، في جميع الأحوال، أن ننتظر الإرشاد الرسولي اللاحق للسينودس الذي سيصدر عن قداسة البابا.
أخيراً، نتطرق الى مسألة الخلافات المزعومة التي يقال بأنها قد نشبت نتيجة تناول السينودس لمسائل متعلقة الى حد كبير بالسياسة، وأن السينودس قد ذهب أيضاً الى أبعد من ذلك إذ تبنى موقفا محددا من النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني. أكد الأب بييرباتيستا بيتسابالا عدم وجود مثل هذه الخلافات، وأن مثل هذه المسألة لم يتم مناقشتها خلال أعمال السينودس: وفقط في النهاية، تمت إضافة بعض العبارات الى التقرير المكتوب، في الغالب تجنبا لخيبة في توقعات بعض الذين بحثوا عن أمر ما في هذا الموضوع. وأشار الأب "Bottini" الى أن شعورا عميقا بالحزن قد إنتابه لما رأى أن الكثير من وسائل الإعلام قد صبت إهتمامها على خلافات هامشية متعلقة بمداخلات ووثائق أُخرِجَت من سياقها؛ على سبيل المثال، قضية الرسالة السينودسية الأولى التي رفضها الآباء السينودسيون في القراءة الأولى، وقامت الصحافة بالكشف عنها وكأنها الوثيقة الرسمية. من ناحية أخرى فرحنا لرؤيتنا أن الكثير من الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، ناهيك عن وسائل الإتصال الإلكترونية، قد رأت في السينودس علامة على المحبة الصادقة التي تكنها الكنيسة الكاثوليكية للمنطقة المضطربة في الشرق الأوسط، ولشعوبها، وخاصة المسيحيين منهم، بعيدا عن أية إهتمامات أو مصالح سياسية.
Fr. Riccardo Ceriani
مهد للقاء الأب "Marcelo Cichinelli"، منسق التنشئة المستمرة في الحراسة، حيث قام بتقديم المشاركين في اللقاء، ومنهم الأب بييرباتيستا بيتسابالا، حارس الأراضي المقدسة، والأب "Claudio Bottini"، وكذلك الأب "Frédéric Manns" من المعهد البيبلي الفرنسيسكاني، الذي شارك أيضا في أعمال السينودس بصفته خبيرا، ومساعدا "لأمانة سر السينودس العامة والخاصة"، في مجال الإطلاع على الملخصات والملاحظات التي تصل إليها، إضافة الى مشاركته في النقاش داخل "الحلقات الصغيرة" لصياغة "المقترحات" التي يتم لاحقاً رفعها للتصويت عليها في "القاعة" وتقديمها للأب الأقدس.
شرع الأب "Bottini" أولاً، بعرض صورة ملخصة توضح أهمية الدور الذي لعبه السينودس كونه مؤسسة جماعية في الكنيسة (يمكنك قراءة المداخلة بالكامل)، ثم قام بتفصيل المجموعات والمهام التي تقلدها المشاركون في السينودس، الذين مثلوا الواقع المتنوع في كنيسة الشرق الأوسط: "كانت ‘جمعية خاصة للشرق الأوسط’ –أي أنها لم تكن ‘جمعية عادية’ (مثلا، كتلك التي عقدت قبل سنتين وكان موضوعها: كلمة الله)، جمعت أساقفة الشرق الأوسط معا للتفكير حول موضوع: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة." كان للسينودس هدف مزدوج: تمثل الهدف الأول في تثبيت المسيحيين في هويتهم وتعزيزها، بفضل كلمة الله والأسرار؛ أما الهدف الثاني فقد تمثل في ضرورة تجديد الشركة الكنسية بين مختلف الكنائس في الشرق الأوسط والارتقاء بها، فتعطي الكنائس بذلك شهادة حياة أصيلة ومؤثرة، تغطي البعد المسكوني، كما والحوار بين الأديان، إضافة الى الطابع الإرسالي." نقل الأب "Bottini" لنا كذلك مشاعره الخاصة حيال هذا الحدث الكنسي الذي، ولأول مرة في التاريخ، جمع حول أسقف روما، وراعي الكنيسة الجامعة، أساقفة منطقة الشرق الأوسط جميعهم. بالنسبة لقداسة البابا، فقد لاحظ الأب "Bottini" ما لديه من "حضور يتسم بالبساطة وقلة الكلام، كأب وراع: صلى قداسة البابا وأصغى أكثر مما تكلم، وخصص وقتا لتناول الطعام مع جميع أعضاء الجمعية السينودسية، كما ودقيقة للحديث مع كل فرد منهم، موجها تحية خاصة الى الجميع."
وفي مداخلته، وصف الأب بييرباتيستا بيتسابالا السينودس "بالخبرة الكنسية الجميلة"، مشيرا الى حرية التعبير التي تمتع بها مختلف الآباء السينودسيين دون أن يكون هنالك أي نوع من الرقابة: "في الجزء الأول من السينودس، دعي كل واحد من الآباء السينودسيين لإلقاء كلمة مدة خمس دقائق. ورافق أعمال السينودس حضور ممثلَين عن الكنائس الأرثوذكسية وجها تعبيرا ناقدا لقداسة البابا. وكانت المجالس الأسقفية قد نُظِّمَت بحيث يتم تفادي التكرار. وفي الأرض المقدسة أيضاً، توصلنا الى إتفاقية أقرت في شهر تموز. وخلال النقاش، تم التباحث في موضوعين رئيسيين: أولا، أننا مدعوون للعيش هنا، حيث تمتد جذورنا؛ وثانيا، كيف نعيش هذا الواقع اليومي الذي إليه قد دعينا. طغت خلال مراحل السينودس المختلفة المقترحات ذات الطبيعة الاجتماعية والرعوية على المقترحات ذات الطبيعة اللاهوتية أو الروحية." العلاقات مع المسلمين، كانت من أكثر الموضوعات التي نوقشت، بينما لم يتم التطرق بشكل كبير الى العلاقات مع اليهود: "أمام الحاجة الملحة لدى الجميع الى الحرية الدينية وحرية الضمير، ترددت أصوات الكثيرين من أبناء الشرق الأوسط، فمنهم من يعيش في معاناة وإضطراب، كما في العراق وايران، ومنهم من يعيش خبرات أكثر إيجابية، كما في سوريا على سبيل المثال. دار أيضا نقاش حول "العلمانية الايجابية" أو بالأحرى "المواطنة الكاملة"، كما يفضل الأساقفة تسميتها.
نوقشت أيضا بعض الإشكاليات الأخرى، منها الحوار المسكوني والعلاقة بالحركات الكنسية، التي تكون في بعض الأحيان إيجابية، لكنها تنقلب في أحيان أخرى لتصبح صعبة. من ناحية أخرى، لم تتناول الكثير من المداخلات الدور الذي تلعبه العلمانية أو دور المرأة، بينما قيل الكثير في شأن الاتصالات والإعلام." ينتقل الشرق الأوسط اليوم، وبشكل متزايد، ليصير في مكان آخر: وقد شدد حارس الأراضي المقدسة على ناحية يمكننا أن ندعوها ‘بالجيو-راعوية’، حيث قال: "يظهر بشكل واضح اليوم، أنه لم يعد هنالك وجود لأي حدود جغرافية، وأن تعبير ‘الشرق الأوسط’ قد أصبح من الناحية الجغرافية نسبياً، وبشكل متزايد. على سبيل المثال فإن 80% من الكاثوليك المقيمين في السويد هم من الكلدانيين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كنائس مارونية تعود الى الجيل الثاني والثالث ولهم أساقفتهم، وإن 50% من المسيحيين في الشرق الأوسط –من مسيحيين محليين ومهاجرين فلبينيين- يقيمون اليوم في الإمارات العربية. ترافق كل ذلك بالطبع مشاكل رعوية وقانونية جديدة."
من الأمور التي بقيت عالقة في ذاكرة الأب "Manns" كان التأمل الذي ألقاه قداسة البابا خلال ليتورجية الساعة الثالثة التي أقيمت في اليوم الأول للسينودس، والتي كانت عبارة عن تفكير عميق في موضوع ‘سقوط الألوهية’ (فنجد اليوم: الأيديولوجيات الإرهابية، والمخدرات، وأساليب حياة مزيفة تنشأ عن الرأي العام، والعبودية الإقتصادية الناشئة عن الشراكات المتعددة الجنسيات). مفتاح هذا التأمل كان المزمور (81) الذي جاء فيه: "قد قلت: أنتم آلهة وبنو العلي كلكم. كلا! بل كالبشر تموتون وكرجل واحد ، أيها الرؤساء، تسقطون".
قدم اللاهوتي " Frédéric Manns " بعد ذلك، عرضا لإثني عشر إقتراحاً في محاولة لفهم ما معنى: "أن نكون مسيحيين في الشرق الأوسط" (يمكن قراءة الوثيقة بالكامل). أن نكون مسيحيين في الشرق الأوسط هي دعوة، وليست إمتيازا؛ ويعني ذلك الإيمان بالله-الثالوث، كما ويعني كذلك أن نكون شهودا للرجاء الذي سيأتي، في كنيسة إكتست ثقافة معينة، ونمت وعاشت في عالم ينتمي الى العرق السامي، يرى جذوره ممتدة في العهد القديم وفي الديانة اليهودية، كما وتعني هذه الدعوة أيضاً أن المسيحيين في هذه المنطقة مدعوون للبحث عن صورة الله في كل إنسان، وخاصة في المسلم، الذي يتوقعون منه أيضا المعاملة بالمثل. تُظهر العولمة اليوم تحديات جديدة تتطلب في المقابل تعليما مسيحيا مناسبا، يتنفس بكلتا الرئتين: الشرقية والغربية؛ ومن هنا فإننا نرى في رحل الحج المنظمة، الى مصر وسوريا ولبنان والأردن وآسيا الصغرى، وسائل هامة ومميزة قد تسمح بلقاء الحجارة الحية -جماعة المؤمنين- معا، لتخرج بأشكال جديدة من المعرفة والتعاون المتبادلين. كان أول سؤال طرحته الجمعية على وجه التحديد، مختصا بمسألة الأماكن المقدسة، إذ أحست بأن السينودس قد أولى هذه المسألة إهتماما ضئيلا. أجاب الأب بيتسابالا بأنه، ومن الناحية العملية، قد قيل القليل جدا في شأن الأماكن المقدسة وأن مدينة القدس نفسها قد أخذت في إطار السينودس بعدا ضيقا مقارنة بالإهتمام الكبير الذي أولى به السينودس مسألة الإنتشار الجغرافي وقضايا الحياة الاجتماعية. مع ذلك، فقد جاء الاقتراح السابع ليتناول مسألة الحج الى الأنحاء المختلفة من الشرق الأوسط، وقد كان لحارس الأراضي المقدسة في ذلك، ولا شك، دور هام لعبه في قاعة الإجتماعات. من ناحية أخرى، وحسب ما قال الأب "Bottini" (الذي لم يغفل عن ذكر الشهادة الإيجابية التي قدمها المندوب الأخوي عن كنيسة انجلترا)، فإن أهمية صحيحة أعطيت لهذه القضية؛ وفي هذه المسألة أيضاً أحال الأب " Manns " الى المساهمات التي قدمتها مجموعة الدراسة التي شارك فيها، والتي ضمت مندوبين من لبنان ومصر، حيث نقلوا من خلالها ما تواجه مؤمنيهم من صعوبات حيال المشاركة برحل الحج.
وعلى سؤال تناول موضوع الشركة بين الكنائس وكذلك "التبشير الجديد"، أجاب الأب بيتسابالا بأن في الواقع، فإن هذا التعبير الأخير تعبير واسع للغاية (بعضهم يستخدمه لوصف العلاقات مع الحركات الكنسية، وغيرهم للتعبير عن حركة التجديد داخل الأبرشيات)، ولكن من ناحية أخرى فإن الجميع يختبر الحاجة إلى التبشير الجديد. إلا أن هذه المسألة، ولاشك، هي مسألة حساسة: إذ روى لنا الأب "مانس" قصة ثلاثة سفراء، تبادر الى مسامعهم نبؤ وجود إتفاق كبير يتناول مسألة "الرسالة" فذهبوا الى الكاردينال "توران" (Tauran)، رئيس المجلس الحبري للحوار مع الأديان، يسألونه التوضيح بخصوص هذا الأمر الذي بدى لهم وكأنه دعوة الى "حروب صليبية جديدة". يشير الأب "Bottini"، الى أن قداسة البابا قد وكل الى الأساقفة مهمة البحث عن نماذج واقعية للوحدة والتعاون.
كانت هنالك أيضاً العديد من المداخلات في السينودس التي تناولت موضوع الحياة المكرسة، كما وكان هنالك العديد من الأساقفة الذين ينتمون الى جمعيات رهبانية. ويروي لنا الأب "Bottini"، بأن كثيرين أشادوا بالدور الذي يلعبه الرهبان شاكرين لهم جهودهم، وخاصة في مجالي التعليم وأعمال المحبة، بل وإن إقتراحا نهائيا صدر يتناول هذا الموضوع. من ناحية أخرى، نوه الأب "Manns" الى أن بعض الشرقيين قد تناولوا بالإنتقاد أسلوب الحياة التأملية وأن الرئيس العام لرهبنة الإخوة الأصاغر، " José Rodriguez Carballo "، قد تبنى، على العكس من ذلك، الدفاع عن هذا النمط من الحياة المكرسة، وقد نال في وقت لاحق شكراً خاصا من قبل قداسة البابا.
لكن، ما هي النتائج الحقيقية للسينودس؟ وما هو الجديد؟ وما هي الخطوات الجديدة التي ينبغي على مسيحيي الشرق الأوسط إتباعها؟ السينودس ليس هيئة للتداول، فقد ذَكَّر الأب بيتسابالا المشاركين بأن: السينودس قد شكل، وبكل بساطة، فرصة لعيش الشركة والمشاركة وإختبار معناها، وإن هذا بحد ذاته لأمر مهم للغاية، يحدث لأول مرة في التاريخ. تكونت صداقات، تعرف المشاركون على بعضهم البعض بشكل أفضل، وهذه وحدها نتيجة كبيرة. يقول الأب "Bottini" بأن العديد من القضايا الواقعية قد طرحت ونوقشت في اللجان، وتناولت هذه القضايا مسائل مرتبطة بالأرض، وأساليب التعاون، وعودة المهاجرين وبيع الأملاك. وقد أشار الأب "Manns" إلى أن قرارات واقعية ستؤخذ في مجالس الأساقفة ورؤساء الكنائس، وعلينا، في جميع الأحوال، أن ننتظر الإرشاد الرسولي اللاحق للسينودس الذي سيصدر عن قداسة البابا.
أخيراً، نتطرق الى مسألة الخلافات المزعومة التي يقال بأنها قد نشبت نتيجة تناول السينودس لمسائل متعلقة الى حد كبير بالسياسة، وأن السينودس قد ذهب أيضاً الى أبعد من ذلك إذ تبنى موقفا محددا من النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني. أكد الأب بييرباتيستا بيتسابالا عدم وجود مثل هذه الخلافات، وأن مثل هذه المسألة لم يتم مناقشتها خلال أعمال السينودس: وفقط في النهاية، تمت إضافة بعض العبارات الى التقرير المكتوب، في الغالب تجنبا لخيبة في توقعات بعض الذين بحثوا عن أمر ما في هذا الموضوع. وأشار الأب "Bottini" الى أن شعورا عميقا بالحزن قد إنتابه لما رأى أن الكثير من وسائل الإعلام قد صبت إهتمامها على خلافات هامشية متعلقة بمداخلات ووثائق أُخرِجَت من سياقها؛ على سبيل المثال، قضية الرسالة السينودسية الأولى التي رفضها الآباء السينودسيون في القراءة الأولى، وقامت الصحافة بالكشف عنها وكأنها الوثيقة الرسمية. من ناحية أخرى فرحنا لرؤيتنا أن الكثير من الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون، ناهيك عن وسائل الإتصال الإلكترونية، قد رأت في السينودس علامة على المحبة الصادقة التي تكنها الكنيسة الكاثوليكية للمنطقة المضطربة في الشرق الأوسط، ولشعوبها، وخاصة المسيحيين منهم، بعيدا عن أية إهتمامات أو مصالح سياسية.
Fr. Riccardo Ceriani