ينظّم رهبان حراسة الأراضي المقدسة في كل عام، خلال فترة الصيف، مسيرة فرنسيسكانية للشباب. وإذ لم يبقى سوى أسبوعين يفصلاننا عن عيد الميلاد المجيد، قامت الأب/ عماد كامل مع اللجنة المساعدة له، بدعوة الشبيبة، شباناً وصبايا، من مختلف أنحاء البلاد، للمشاركة في لقاءٍ تحضيري فيه يعمل الرهبان ع المحافظة على التواصل مع الشباب من جهة ومن جهة أخرى ليساعدوا الشبيبة على تهيئة أنفسهم لمجيء الرب، لعيد الميلاد المجيد.
أتى الشبابمن جميع أنحاء الأرض المقدسة: من بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والرملة وأريحا والجليل كلّه ومن مناطق عدة أخرى. وكان شعار اللقاء: "جئنا نسجد له".
إلتقى كثيراً من هؤلاء الشباب والشابات خلال المسيرات الفرنسيسكانية التي تقام كل عام في فصل الصيف. وفي مسرح مدرسة ترسنطا في بيت لحم، جلس أوّل الواصلين منتظرين بصبر بداية البرنامج.
ما أن وصلت الحافلة القادمة من الجليل، حتى اجتمعوا كلّهم لتنشيط أنفسهم خلال فقرة تضمّنت ترانيم التسبيح والرّقص. جاء بعد ذلك موضوع اللقاء، ألقاه الأب/ عماد كامل، المسؤول الجديد عن العمل الراعوي مع الشباب في حراسة الأراضي المقدّسة وعن المسيرة الفرنسيسكانية
بدأ الأب عماد بكلمة ترحيب بالشبيبة معبراً عن فرحه بحضورهم ومشاركتهم للقاء الفرنسيسكاني، وكما وجه كلمة شكر لأعضاء اللجنة التي تساعده في خدمته للتنشيط الرعوي للشبية والتحضير للمسيرة الفرنسيسكانية القادمة 2017؛ ومن ثم توجه للشبيبة قائلاً: "جئنا اليوم من أماكن متفرقة داخل الأرض المقدسة، مجيئنا هذا ما هو إلا جواباً على مبادرة من آتى لأجلنا ويدعونا كل يوم كي نأتي إليه، وكما تبع المجوس نجماً قادهم إلى حيث يوجد الطفل يسوع، جئنا نحن بدورنا لأن نجما ما قد سطع بريقه في سمائنا وأضاء لنا طريق الوصول إلى هنا، فبغض النّظر عن السبب الذي دفعك لأن تأتي اليوم... فإنني أسألك قبل أن نتابع هذا اليوم أن تنفض الغبار عن قدميك، أن تترك كل شيء في الخارج، كي يتسنّى لنعمة الله أن تدخل في قلبك". ثم تابع موضّحاً بأنّ السجود للهلا يعني فقط أن نحني ركبتينا أمامه، لكن السجود الحقيقي هو نمط حياة هو أن نقبله كل يوم كملك على حياتنا، وأن يصير سبب وجودنا، هو لقاء شخصي حقيقي فيه أترك المجال ليسوع أن يخبرني عن ذاته وأن يطبع في قلبي صورته. وكما قدم المجوس عند سجودهم ذهباً ولباناً ومراً، وجه الأب/ عماد دعوة جدية كي يقدم كل شاب وصبية بدورة لطفل بيت لحم إستعدادهم لأن يملك يسوع علي حياتهم كتقدمة ذهب، وكتقدمة بخور أن يكونوا، أينما وجدوا، سفراء للمسيح في معايشتهم كهنوت المسيح العام الذي نالوه يوم عمادهم وأن يفتحوا قلبهم على دعوة الله الممكنة للبعض منهم ليكونوا أكثر قرباً منه في حياة التكريس الكهنوتية والرهبانية؛ وأخيراً أن يقبلوا بشجاعة كل الصعوبات والمحن ولحظات الألم والفشل كجزء أساسي وضروري في حياة المسيحي المدعو لإنكار ذاته وحمل صليبه خلف يسوع المعلم والسيد.وأختتم الأب عماد كلمته بتوجيه النظر لشخصية القديس فرنسيس الأسيزي، كنموذج ودليل لكل شاب وصبية للسجود الحقيقي ليسوع، وها هو فرنسيس ابن غني أسيزي يتخلى عن كل شيء ويتخذ يسوع كغناه الوحيد، وشارك يسوع في كهنوته العام إلى درجة أن أناس عصره عرفوه بأنه "مسيحاً أخر" كما أنه سيم شماساً إنجيلياً لخدمة الوعظ وخدمة المذبح، ومن مثله جمل صليب الألم وهو الذي طبعت في جسده جراحات يسوع المصلوب؟
عندما مرّت أشعة الشمس من خلال نوافذ الكنيسة في مغارة الحليب، اكتسى المكان كلّه باللون الأزرق.وهناك، احتفل الأب عماد بالقداس الإلهي.
حصل كل واحد من أعضاء الشبيبة لدىوصوله على إسوارة من أحد الألوان الأربعة التالية: الأزرق والأصفر والأخضر والبرتقالي كتب عليها شعار اللقاء، وكان تقسييم المجموعات حسب الألوان. وبعد الغداء، كانت لديهم رسالة. ما هي؟ كان عليهم أن ينقلوا روح الفرح، فرح الميلاد، إلى أحد المراكز التي تقدّم خدمات خيريّة، وهي: "الكريش" في بيت لحم، ومركز الكلمة المتجسّد وراهبات الأم تريزا والجمعية الأنطونيّة. في كل واحد من هذه المراكز، قام الشباب بالترنيم والرقص وعزف الموسيقى ("الطبلة" بشكل خاص)، بينما أخذ المسنون والأطفال اليتامى وذوي الإحتياجات الخاصة والشباب بالتصفيق. والحقيقة أنهم كانوا جميعاً أقوياء، لكنّ المجموعة ذات الإسوارة الصفراء، التي ذهبتإلى مركز الكلمة المتجسّد، كانت تلك التي أثارت المزيد من الصخب مع الطبلة وترانيم الميلاد ووصلة من ترانيم التسبيح اختُتمت بترنيمة الإرسال: "شكرا لله الذي يقودنا."
أوضح الأب عماد قائلاً: "نقوم بتنظيم المسيرة الفرنسيسكانية الشهيرة كل عام، وهي عبارة عن وقت مكثف فيه يقوم الشاب بشجاعة لوقوف أمام ذاته واللقاء معها بعيداً عن صخب العالم وضجيجه، كذلك اللقاء مع الله واختبار محبته. فالمسيرة الفرنسيسكانية هيخبرة روحيّة عميقة ومؤثرة وعادة ما تغير مجرى سير حياة الكثيرين من شبابنا وتدخلهم في علاقة مع الله تدوم وتثمر. على ضوء لقاء الذات ولقاء الله يستطيع البعض إكتشاف إرادة الله في حياتهم، فمنهم من يشعر بدعوة الله له لحياة التكريس والبعض الأخر لحياة الزواج وفي كلتا الدعوتين تظل الروح الفرنسيسكانية: روح البساطة والفرح والعيلة مرافقة لهم. أمّا لقاؤنا اليوم فيهدف إلى الحفاظ على التواصل فيما بيننا خلال السنة، وهو أيضا ضرورة روحية تعمل على انتشال شبابنا من روتينهم اليومي كي يتهيئوا لعيد الميلاد. في هذه المرحلة العمرية، يبحث كثير من الشباب عن طريقهم، عن الدرب التي يودّون السير بها في حياتهم. لكنّهم منشغلون في تفاصيل الحياة اليوميّة. وليجد المرء طريقه، عليه أن يفرغ ذاته من أمور هذا العالم، ويترك ليسوع أن يقوده وأن يقيم معه علاقة شخصية أساسها المحبّة. محبّة تدفعنا إلى المخافة المُحِبَّةِ لا إلى الخوف."
وأضاف قائلاً: "رغبت أن أقول للشباب بأنهم جزء من الكنيسة بل هم الكنيسة الآنية والمستقبلية، أننا نهتمّ بهم، أنهم مهمّون بالنسبة لنا، كل واحد منهم هو شخص مميزّ ولابد من أن يدرك رسالته وعلينا أن نساعدهم لإكتشافها ولتحقيقها. نريد الإهتمام في كل واحد منهم، بغض النظر عن أوضاعه أو من أين يأتي. كذلك نودّ أن ننقل إليهم روح القديس فرنسيس روح الفرج والبساطة وحب الله فوق كل شيء وأن يروا كل خلائق الله جميلة وأن يسبحوه فيها، إنها الروح الفرنسيسكانية، وأن نعيش معاًلحظات نشعر فيها أننا حقّاً إخوة وأخوات ينتمون إلى عائلة واحدة. يهمّنا أيضاً أن نُشعرهم بدعوة الله، بالدعوات المختلفة، وأن نكون، وبكل بساطة، مصغين إلى ما هو في حاجة إليه، ومستعدين لتلبيته.
جريس غطاس، شاب في التاسعة والعشرين من العمر، قد جاء من الناصرة خصيصاً إلى بيت لحم. ولما قمنا بمقابلته عبر قائلاً: "جئت هنا كي أتهيأ لميلاد المسيح داخلي. أُهيئُ نفسي أولا لمجيئه خلال هذين الأسبوعين، ثم ليوم الميلاد وللسنة الجديدة المقبلة. المسيح هو الحقيقة، وإذا لم أبذل هذا الجهد لمعرفته، فلن أستطيع أبداً أن أعرف من أنا ولن أستطيع أبداً أن أُجيب على دعوتي كابن لله." لكن لماذا أتهيأ ضمن مجموعة؟ أجاب جريس على هذا التساؤل قائلاً: "صحيح أن التهيئة هي شخصية ونوعاً ما فرديّة، لكنّ هذه التهيئة الجماعية مهمة كون المسيح قد ولد من أجل الجميع. نحن جميعاً، الموجودون هنا، نبحث عن الشيء نفسه، لكنّ لكل واحد دعوته الشخصية وعلاقته الفريدة مع يسوع."
أمّا لينا جقمان، وهي فتاة من بيت لحم في الثامنة عشرة من عمرها، وكانت ترتدي الكوفية وصليب "التاو"، فقد أقرت أمامنا قائلة: "لم أكن أريد أن آتي صباح هذا اليوم. ومن الصحيح أن لدي الكثير من الإمتحانات، إلا أنني قد غيّرت رأيي في اللحظة الأخيرة، إذ شعرت أن عليّ أن أكون هنا، ربّما "هو" أراد منّي أن آتي. نطلب من الله أموراً كثيرة وهو يعطينا الكثير خلال السنة... فما الذي سنعطيه نحن إيّاه، الآن، خلال هذا الإحتفال الذي هو احتفاله؟ هل سنعطي وقتاً للإصغاء إليه؟"
وأضافت قائلة: "ذهبنا اليوم لزيارة المحتاجين. الله يكلّمنا من خلالهم، وهكذا نصبح حسّاسين أكثر للنِّعَم اليوميّة من خلال تواصلنا مع الآخرين. أن نضع أنفسنا في خدمة المحتاجين، هو ليس عملٌ نقوم به فقط في الأعياد. بعد الزيارة التي قمنا بها اليوم، أفكّر في مدّ يد العون إلى هذه البيوت أيضاً خلال السّنة". وأنهت قائلة: "أحب كثيراً هذه اللقاءات الجماعيّة. الله أيضاً يحب أن نلتقي للصلاة وهو نفسه قد قال هذا... إنّه أمر مشوّق، حيث نشارك في اختباراتنا الشخصيّة ونصلي وننشد معاً، فرسائل الله تمرّ أيضاً من خلال اللقاء مع الآخر!"
على المايكروفون، أثناء فقرة المشاركة الجماعيّة، تحدّث أحد الشباب واسمه مجد، من بيت لحم، قائلاً: "لقد تعلّمت اليوم أمراً مهمّاً، وهو أن المحبّة لا تحتاج إلى الشفقة ولكن إلى لحظة بسيطة من الشجاعة والكثير من الفرح!"
من ناحيته، وجه الأب عماد إلى الشباب دعوة، قائلاً: "قولوا الآن، كل واحد لنفسه: ’يسوع سوف يولد من أجلي، من أجلي شخصيّاً‘. اجعلوا من هذا اللقاء أساساً تستطيعون أن تبنوا عليه وتصلوا بفضله إلى النضوج قبل وخلال وبعد عيد الميلاد. أتمنى لجميع الشباب والشّابات، من الآن وحتى لقائنا القادم، عيد ميلاد سعيد!".
طلب الأب عماد من الشباب تقييم عن اللقاء عندما أخبرهم مقولة أعجبته وكانت مكتوبة على منديل سفرة في أحد المطاعم: "إن أعجبكم اليوم فخبروا أصدقائكم، وإن لم يعجبكم فخبرونا". تم بعد ذلك توزيع هدايا تذكارية على المشاركين، وأُخِذَت أيضاً صورة جماعيّة تذكارية لهذا اليوم الروحي الغني بالنشاطات والفرح والخبرات المتبادلة.
نزار هلّون