حصل الأب ابراهيم الصباغ، من رهبان حراسة الأراضي المقدسة، في 26 حزيران، على جائزة "يان كارسكي" 2017. وقد نال هذا الراهب الفرنسيسكاني الغيور الذي يعمل في سوريا، تلك الجائزة "لأنه منح الرجاء في عالم يفتقر إلى الرجاء."
منذ عام 2014، لم تعرف مدينة حلب يوماً من دون حزن. ولم يمرّ يوم أيضاً دون أن يهرع الأب ابراهيم صباغ لمساعدة جميع جيرانه في حارة العزيزية. لذلك نال الأب صباغ الأسبوع الماضي، في مدينة كراكوفيا في بولندا، جائزة يان كارسكي ايغل 2017. تُمنح هذه الجائزة للأشخاص الذين تميّزوا في "خدمتهم الإنسانية" للآخرين. نال الأب ابراهيم الجائزة إذا "لأنه قد نشر الرجاء في عالم دون رجاء وبين أشخاص منسيين"، وفقاً للإعلان الرسمي الذي صدر في شأن هذا الحدث.
من مدينة حلب المدمّرة، كتب الكاهن الفرنسيسكاني في مجموعة من الرسائل كيف أنه كان "أحياناً رجل اطفاء وأحياناً أخرى ممرضاً أو مراقباً أو معلّماً (...) وأخيراً كاهناً". منذ عام 2014، أصبح الأب ابراهيم الصباغ كاهن رعية القديس فرنسيس للاتين في حلب، وهو بذلك أحد آخر الكهنة الذين خدموا في مدينة حلب، التي كانت بمثابة العاصمة الإقتصادية لسوريا وهي اليوم تفتقر إلى الحياة. إنها المدينة التي ترمز إلى الصراع القائم في سوريا، وقد قُسِّمَت إلى جزئين منذ أربع سنوات وحتى عام 2016، بعد أن تم افراغها من الجماعات الإسلامية. في يومياته التي حررها تحت عنوان: "لحظة قبل الفجر. رسائل حرب ورجاء من كاهن حلب"، يشارك الكاهن الفرنسيسكاني قراءه بشهادة حياته من خلال حوليات حقيقية حررها على مدى فترة طويلة، يوماً بعد يوماً، وتناول فيها أخبار المدينة وسكانها الذين يعيشون تحت القصف ويعانون من مختلف أشكال الحرمان...
وفي لحظة تسلمه لجائزة كارسكي، شدد الأب ابراهيم على كون هذه المكافأة "تشجيعاً" له في رسالته "ومساعدة وتعزية ورجاء للأشخاص" الذين يعيشون في المدينة المتألمة. تأسست هذه الجائزة إحياءاً لذكرى شاب بولندي كاثوليكي، يدعى يان كارسكي، كانت مهمته اعلام قادة البلدان المتحالفة عن أحوال بلاده تحت قبضة الحكم النازي، وخاصة ما يختص بمصير اليهود.
فما هي إذا طبيعة العلاقة بين هذه الجائزة والمسألة السورية؟ تابع الأب ابراهيم الصباغ موضّحاً: "يشبه تاريخ الشعب السوري كثيراً تاريخ الشعب البولندي الذي عانى خلال مدّة من الزمان." وتابع مقارنته قائلاً: "كثير من العائلات المسيحية، على مثال ما جرى مع أيوب المذكورة قصته في الكتب المقدسة، قد فقدوا في لحظة كل شيء، ثمرة حياتهم كلها: البيت والعائلة والصحة." وموضحاً للجريدة اليومية في حلب، أردف قائلاً: "70% من العائلات ليس لها سقف تحتمي تحته، هم دون ملجأ. الحرب مستمرة حول المدينة. نسمع في الليل أصوات القنابل والرصاص. ومن وقت إلى آخر، يتم بسبب القتال اغلاق الطريق الرئيسي والوحيد المؤدّي إلى مدينة حلب". إن الشجاعة والإصرار والرجاء التي يتمتع بها الأب ابراهيم (والرهبان الفرنسيسكان الثلاثة المقيمون معه)، تظهر من خلال حصولهم على جائزة كارسكي، لا لكي ينتفخ أبناء القديس فرنسيس هؤلاء من الكبرياء، ولكن لأجل أن يعرف العالم كله الواقع الذي يعيشه الشعب السوري. وهذا الأمر يشكل حتماً بالنسبة للأب ابراهيم، الذي وصل إلى الأربعينيات من عمره، "واجباً أخلاقياً".
"مخاطرة بحياته"
وكمالم يتردد الأب ابراهيم الصباغ، ولو للحظة واحد، في قبول مسؤولية الرعية في حلب عام 2014، كذلك فإنه لا يريد اليوم أن يترك مَن عُهِدَ إليه بأمرهم. حتى لو دُمِّرَ العالم من حوله، فإنه سيبقى حتى النهاية رغم كل شيء. عُرِضَ عليه الذهاب إلى مكان في أوروبا، كما أوضح الكاردينال دجيفيش (رئيس أساقفة كراكوفيا المتقاعد) أثناء حفل تسليم الجائزة للأب صبّاغ، لكن كاهن حلب (وأصله من دمشق) "قد اختار العودة إلى وطنه، إلى سوريا أسيرة الحرب منذ سنوات. عاد مكرّساً نفسه ومعرضاً حياته لخطر الموت، لأجل الخدمة الرعوية في حلب". أضحت مدينة حلب اليوم نصف مدمّرة "وهي لا تزال تفتقر إلى كل ما هو ضروري للحياة"، بحسب الكاردينال البولندي.
نذكر بأن مدينة حلب، كانت تنتج قبل بدء النزاع نسبة 60% من المنتجات الصناعية في البلاد. إنها أكبر مدينة في شمال سوريا، وكان يقطنها أربع ملايين نسمة. أمّا اليوم فعدد سكانها لا يتجاوز 1.4 مليون. وصلت نسبة المسيحيين في حلب قبل عدّة عقود إلى 30% من عدد السكان، لكن نسبتهم اليوم لا تتجاوز ال 4%. كذلك فإن 60% من الكنائس قد أُصيبت بالضرر وليس بالإمكان أن يقام فيها بعد ذلك القداس الإلهي. قامت بطباعة الكتاب الذي ألفه الأب ابراهيم باللغة الإيطالية دار النشر المدعوة بالأرض المقدسة، والتي يقع مقرها في ميلانو. وتمت ترجمة الكتاب إلى كل من الألمانية والإسبانية والفرنسية. بينما يجري الآن النظر في ترجمة الكتاب إلى الإنجليزية والهولندية.