قوالب ثمينة من قناديل الزيت تعود الى القدس | Custodia Terrae Sanctae

قوالب ثمينة من قناديل الزيت تعود الى القدس


إستقبل متحف المعهد البيبلي الفرنسيسكاني في القدس مؤخراً تقدمة هي عبارة عن قالب لتصنيع قناديل الزيت الحجرية. وعلى القالب نقشت، على الوجهتين، صور مستوحاة من الكتاب المقدس، وبالذات من حياة أبينا إبراهيم والنبي دانيال.
قناديل الزيت هي عبارة عن قارورات صغيرة، عادة ما تكون مصنوعة من المعدن أو السيراميك، ومصممة بحيث تتسع لكمية صغيرة من الزيت الذي يضيء القناديل في الأماكن المقدسة. يحرص الحجاج عادة، وخاصة الشرقيون منهم، على أن يحضروا معهم لدى عودتهم من الأماكن المقدسة، مثل هذه القناديل الزيتية كتذكار لحجهم وزيارتهم تلك. يتوفر هذا الزيت، في يومنا هذا، على شكل قارورات زجاجية صغيرة تباع في العديد من حوانيت بلدة القدس القديمة.

أما قناديل الزيت القديمة، فتحفظ عادة في المتاحف والمجموعات الأثرية حول العالم. من أكثر تلك المجموعات شهرة هي ولا شك مجموعة الستة عشر "أمبولاً" (ampullae) الموجودة اليوم في "مونتسا" (Monza)، في ايطاليا. نجد هذه الأمبولات مصوراً عليها مزار القبر المقدس والجلجثة من الزمن القنسطنطيني. من المعتقد بأنها كانت هدية قدمها البابا "غريغوريوس الكبير" الى "تيودوليندا" ملكة "لونغوباردو"، حوالي العام 600 بعد الميلاد. من الواضح أن أصل هذه التحف يعود الى الأرض المقدسة، رغم أن العمل الفني نفسه كان في العادة يوكل الى منطقة سوريا. وحتى في متحفنا الفرنسيسكاني في القدس، فإنك ستجد بعضاً من أقدم قناديل الزيت هذه المصنوعة من الفخار.

الجديد بالنسبة لهذه المواد الأثرية التي حصلنا عليها مؤخراً، يكمن في أنها لا تنتمي الى مجموعة القارورات تلك، بل هي نموذج لتصنيعها. حسب المعلومات التي حصلنا عليها، فقد تم العثور على هذا النموذج في القدس، في منطقة سلوان، قبل بضعة عقود من الزمان. وإن منشأ هذه النماذج ليدل بصورة قاطعة على أن مدينة القدس قد كانت مركزاً هاماً لصناعة هذه "الأمبولات". يؤكد هذا الإستنتاجَ كذلك، ما تم العثور عليه من قوالب أخرى في الجوار، خلال أعمال حفرية تمت في المقبرة اللاتينية التي تقع على جبل صهيون، في بدايات القرن العشرين. بالإمكان مشاهدة هذه الجزئيات في متحفنا، وهي تشابه الى حد كبير، من حيث المادة التي صنعت منها والشكل والأبعاد، تلك التي حصلنا عليها مؤخراً، إلا أنها لا تحتوي على رسوم إيقونوغرافية محفورة عليها. من المحتمل بأنها كانت مجرد عينة للشكل الذي يجب أن تكون عليه الناحية الخلفية من القارورات، أو أنها، وبكل بساطة، قطعة لم ينتهي العمل بها.

عودة الى القالب الجديد، فإنه يُظهر من أحد جهاته، إبراهيم تحيط به هالة، وله لحية طويلة وغزيرة. وقد كتبت بصورة دائرية العبارة التالية: "قنديل إبراهيم". أما المشهد، فهو ذلك المشهد التقليدي الذي يظهر أبا المؤمنين وهو يتهيأ لتقدمة إبنه إسحق (تكوين 22: 1-14). يؤكد الكتاب المقدس بأن الله عندئذ، قد أشار الى إبراهيم كيف يقدم كبشاً بدلاً من ولده. تمت هذه الحادثة على جبل "موريا"، الذي يقع بحسب التقليد اليهودي مكان الهيكل، أما بالنسبة للكتاب المسيحيين فهو يقع مكان الجلجثة. بهذا، فإنهم يقيمون علاقة مباشرة مع موت يسوع، إسحق الجديد والحمل الجديد، الذي قُدِّمَ على مذبح الصليب.

أما على الجانب الآخر من القالب، فيظهر النبي "دانيال"، حسبما تظهره الكتابة المكررة مرتين، والتي ترافقها كلمة "Agios" التي تعني "قديس"، إضافة الى علامة الصليب. يظهر "دانيال" مكتسياً بثياب فارسية، واقفاً رافعاً يديه وكأنه يصلي، بينما جلست عند قدميه أسود تهدده دون أن تنزل به ضرراً (دانيال 6: 1-29). يظهر هذا المشهد كيف أن الله يستطيع أن يحرر المؤمن من الموت. من المثير للإهتمام أن نرى هذين المشهدين أيضاً في الفسيفساء الحديثة التي تقع في معبد الصلب في بازيليكا القبر المقدس.

قدم هذا القالب للمتحف، بكرم من أحد مجمعي التحف في ولاية تكساس الأمريكية، السيد "إيريك سبانغينبيرغ". ونتقدم بالشكر أيضاً الى أحد أشهر تجار الآثار في البلدة القديمة، الذي لم يدخر جهداً في لعب دور الوساطة.