عشرون عاماً مرّت على تأسيس معهد مانيفيكات ومشاريعُ جديدة في انتظار أن تتحقّق | Custodia Terrae Sanctae

عشرون عاماً مرّت على تأسيس معهد مانيفيكات ومشاريعُ جديدة في انتظار أن تتحقّق

إنه يوم الجمعة. وقد وصل أحد الزوار إلى ساحة دير المخلص في القدس، حيث توقف للحظة مصغيّاً بإمعان قبل أن يعلّق قائلاً: "هل أحد الرهبان هنا يتعلّم العزف على الكمان؟". فابتسم مُستضيفه وأردف قائلاً: "اتبعني". عبر الضيف مع مرافقه من أسفل لوحة كتب عليها بالإيطالية: "معهد مانيفيكات".

أضحى صوت الكمان في الطابق السفلي أكثر وضوحاً. "أنظر"، قال المستضيف لضيفه. نظر الضيف من خلال الشباك الضيق المحفور في أحد الأبواب، فشاهد طفلاً يحاول بكل ما أوتي من مهارة أن يحرك قوس الكمان بمرأى من معلمه. اكتشف الزائر أن في هذا الممر السفلي العديد من الصفوف المتشابهة. احدى هذه الغرف تستخدم لتدريس العزف على البيانو، والأخرى للتدرب على الكمان، وغيرها للغيتار. أهلاً وسهلاً بكم في مدرسة تعليم الموسيقى التابعة لحراسة الأراضي المقدسة.

أسس هذه المدرسة الراهب الفرنسيسكاني الإيطالي الأب أرماندو بييروتشي. ويستعد معهد مانيفيكات في هذه الأيام للإحتفال بعيد ميلاده العشرين وذلك في شهر حزيران من هذا العام 2015. أصبح للمعهد منذ شهر أيلول الماضي مدير جديد هو الراهب الفرنسيسكاني الكندي الشاب دافيد غرونيي. وفي مقابلتنا معه أوضح الأخ دافيد قائلاً: "أنا في دير المخلص منذ سنوات. قمت بزيارة معهد مانيفيكات مرات عديدة لكنني أُقرّ بأنني بدأت باكتشاف ضخامة العمل الذي حققه الأب أرماندو مع الكادر الذي أسسه والمتبرعين الكثر الذين وجدهم، عندما قرر مجلس الحراسة الإستشاري تعييني مديراً للمعهد خلفاً للأب أرمندو."

تميّزت بدايات معهد مانيفيكات بالبساطة الشديدة، لكنه بدء يكبر شيئاً فشيئاً. وقد عزم الأخ دافيد على الإنخراط في هذا التقليد، وعلى اتمام بعض المشاريع التي تمنّى الأب أرمندو تحقيقها لمعهده الحبيب.

عاد الأب أرمندو إلى اقليمه الرهباني الفرنسيسكاني في ايطاليا العام الماضي، بعد أن أمضى 25 سنة من حياته في خدمة الأرض المقدسة. وعندما قام بتأسيس معهد مانيفيكات، لم يفعل الأب أرمندو ذلك فقط لأنه موسيقار وعازف أرغن ومؤلف كبير، ولكن لأنه رأى في ذلك أيضاً وسيلة لخدمة شعب هذه البلاد. قبل خمسين عاماً من الآن وُجدت في دير المخلص ورشات لتنشأة الشباب على مهنة صناعة الأحذية، ومهنتي النجارة والحدادة. تلك كانت الوسيلة التي ارتأى الفرنسيسكان من خلالها تقديم المساعدة لحجارة هذه الأرض الحيّة، أي المسيحيين المحليين. ظهرت بعد ذلك مدارس أخرى غطت مجالات متنوّعة. أمّا الأب أرمندو فهو مّمن أدخلوا تجديداً كبيراً على هذه الرسالة باقتراحه فتح طريق جديد نحو الفنّ والجمال.

عبّر أحد الضيوف الإيطاليين، لدى زيارته للمعهد برفقة الأخ دافيد، عن اعجابه بهذه المؤسسة قائلاً: "كم هو جميل أن نرى طفلاً يلعب بشيء آخر غير المسدسات البلاستيكية". من ناحيته، أكد الأخ دافيد على أهمية الدعوة التي حملها المعهد أثناء السنوات الماضية ولا يزال حتى اليوم "كمتنفس وسط أوضاع سياسية تبقى متوترة باستمرار. يشهد بعض الأهالي أيضاً للمساعدة التي تقدمها التربية الموسيقية لأبنائهم في مسيرة نموهم الشخصيّ."

لا تعبّر الموسيقى فقط عن أحلام وآمال هؤلاء الأطفال والشبان والشابات، بل إنها أيضاً توحدهم وتجمعهم. فالمدرسة تضم اليوم 200 طالب وطالبة تقريباً – في غالبيتهم من الفلسطينيين، ومن المسيحيين بالذات – يتلقون دروس الموسيقى على أيدي كادر من المعلمين والمعلمات يصل عددهم إلى 22، وهم في غالبيتهم من اليهود أو من مواطني الإتحاد السوفييتي سابقاً.

تابع الأخ دافيد حواره معنا قائلاً: "يوجد لدينا بعض الطلبة من اليهود والمسلمين. هذا جزء أساسي من دعوتنا الفرنسيسكانية، بأن نسمح للموسيقى أن تكون جسراً يوحد اختلافاتنا". ومستخدماً تشبيهاً جميلاً، أوضح لنا الأخ دافيد أن بمقدور الموسيقى خلق التناغم بين شعوب هذه البلاد.

عمل الأب أرمندو كل جهده لأجل الحصول على اعتراف رسمي أوروبي بالشهادات التي تصدر عن معهد مانيفيكات، وذلك بفضل توقيعه على اتفاق شراكة مع كونسيرفاتوار (معهد الموسيقى) بيدرولودي في مدينة فيتشنزا الإيطالية.

شرع المعهد في البداية بإعطاء دروس في عزف البيانو قبل أن يتوسع نشاطه ليشمل تدريس العزف على الأورغن والكمان والفيولا والتشيللو والناي والبوق، اضافة إلى تعليم الغناء والعزف على الغيتار والمزمار والكلارينيت والباسون. لكن الأخ دافيد أوضح لنا قائلاً: "ليس لدينا بعد طلاب مسجّلون لتعلم العزف على هذه الآلات هذا العام".

تم كذلك منذ عدّة سنوات تشكيل فرقة موسيقية (أوركسترا) تابعة للمعهد. بل بالأحرى عدّة فرق موسيقية تتناسب والأعمار المختلفة التي يضمها المعهد. ففي مدارس الموسيقى يجب أن يتمّ احترام المستويات المختلفة. يستمر برنامج التعليم لدينا عشر سنوات تشمل بالإضافة إلى الآلات الموسيقية، دروساً في نظرية الموسيقى (سولفيج) ودروساً نظرية أخرى. نلمس اليوم ثمار هذه السنوات التي مضت، لدى العديد من خريجي معهدنا الذين أصبحوا بدورهم معلمين، سواء في المعهد نفسه أو لدى المدارس المسيحية المختلفة في مدينة القدس. هذا سبب فخر بالنسبة للمعهد. كما ويسافر العديد من خريجي المعهد هؤلاء إلى الخارج بصورة مستمرّة لتقديم حفلات موسيقة يتخللها العزف على البيانو أو الأرغن.

يضم المعهد اضافة إلى الآلات الموسيقية، ثلاث جوقات. جوقة للأطفال وجوقة للبالغين وجوقة أخرى دوليّة تضم أعضاء من طلاب المعهد اضافة إلى بعض المتطوعين أو المغتربين الأجانب في البلاد، الذين يشاركوننا ذات الشغف بالموسيقى والترنيم. هذه الجوقة الدوليّة هي التي تحيي العديد من الإحتفالات الدينية التي تقيمها الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية في القدس، وخاصّة في كنيسة القيامة والرعيّة والمزارات المقدسة المنتشرة في أنحاء الأرض المقدسة.

تتطلب هذه النشاطات، بطبيعة الحال، دعماً ماديّاً. وقد أوضح لنا الأخ دافيد قائلاً: "معهد مانيفيكات هو مدرسة الموسيقى التي تُعَدُّ تكلفة التسجيل فيها الأقل على مستوى مدينة القدس. نحن نحاول أن لا تشكل النقود عائقاً أمام تعلّم الموسيقى." وكما فعل من قبله الأب أرمندو، على الأخ دافيد الآن أن يتنقل حول العالم بحثاً عن مساعدات جديدة. تمتعت المدرسة في البداية بدعم كبير جاء من ايطاليا وسويسرا، ويحاول الأخ دافيد الآن أن يُعَرِّفَ بنشاط المعهد في أنحاء أخرى من أوروبا وأمريكا الشمالية.

المشاريع كثيرة. وكما يقول الأخ دافيد: "إننا بحاجة لأن نتوسع. نحتاج إلى قاعة حقيقية للحفلات الموسيقية. لدينا قطعة أرض، ولم يتبقى سوى أن نُنشأ عليها مرافق جديدة وقاعة مناسبة - من الناحية الصوتية (Acoustique) - للحفلات الموسيقية. كما ولهذه القاعة متى أنشأت أن تخدم غيرنا من المجموعات في مجال العمل المسرحي وغيره."

إن الإحتفال بمرور 20 عاماً على تأسيس معهد مانيفيكات، لهي دعوة للتوقف قليلاً والنظر فيما تمّ إنجازه حتى الآن، وفي الحياة الطويلة المكتوبة لهذا المعهد. للإحتفال معنا بمرور 20 عاماً على تأسيس المعهد، ندعوكم للمشاركة في مهرجان "المصباح السحريّ" (MagicLamp) الذي سيقام يوم الأحد 7 حزيران الساعة السادسة مساء في دير المخلص في القدس.

لمتابعة أهم نشاطات وأخبار معهد الموسيقى مانيفيكات، ندعوكم إلى زيارة موقع المعهد على شبكة الإنترنت عبر هذه الوصلة.