"الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبْصَرَ نوراً عَظيماً، والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلامِ أَشرَقَ عَلَيهِم النُّور" (أشعيا 9: 1).
نعيش أزمنة صعبة يملأنا تعاقب المآسي والعنف فيها بالخوف. كما أن علامات نهاية الأزمنة كما تصفها لنا الليتورجية في الفترة السابقة لزمن المجيء، تبدو وكأنها صدى لأخبار زماننا الحاضر، مما يجعل من الصعب علينا إنتظار الميلاد بمشاعر الفرح والإحتفال والحيوية! يبدو وكأن الخوف يسيطر على أفعالنا، حتى الصغيرة منها التي نقوم بها كل يوم. لدينا بالتحديد خوف من الآخر، وكأننا فقدنا الجرأة على الإيمان بهذا الآخر. لم نعد نَثِق، وتراودنا تجربة الإنغلاق في دائرة صغيرة، هي دائرة مَن هم قريبون منّا. يتملكنا الخوف من المسلم ومن اليهودي ومن الشرقي أو من الغربي، وفقاً للموقع الذي نحن فيه. أصبح "الآخرون" أعداءاً لنا، ولدينا الإعتقاد بأنّ الآخرين يقفون ضدّنا، وأنهم يمنعوننا من ترجّي عالمٍ أكثرَ أماناً ومستقبلٍ أفضل.
في سوريا، كما في العراقِ والأرضِ المقدسة والشرقِ والغرب، يبدو العنفُ وكأنَّهُ السبيل الوحيد الذي يمكنه وقفُ ما يُسيطرُ علينا.
من هنا فإن ترقب الميلاد في مثل هذه الظروف، يطرح تساؤلاً على إيماننا ويُظهر الحاجة إلى رجاء أشدّ متانة. هذه هي المشاعر التي أحس بها مَن شاركَ في إحتفالِ إضاءةِ شجرة الميلاد وبركة المغارة. سمعنا أثناء الإحتفال صوتَ صفارات إنذارٍ كثيرة، وهي علامة أكيدة على وجود نزاعاتٍ وإضّطرابات. لمسنا وجود أمرٍ ما، لا يتلائم والأوضاع الحالية؛ أمر أبعد من الزمن والتاريخ.
رغم ذلك، يقول لنا الإنجيل أنّ ملءَ الزمان قد تمّ في لحظة صعبة، بينما أخذ يوحنا يدعو الناس في البَريَّةِ ليُعِدّوا طريق الربّ، مُعلناً معمودية التوبة. إن أجواءَ الفرح والأضواءَ والألوان هي أمور مهمّة للإحتفال بعيد الميلاد، تقودنا بمزيد من الحقيقة نحو المعنى الأصيل لهذا العيد. إنه اللهُ الذي يدخل في زماننا وتاريخنا اليوم. يقول لنا عيد الميلاد بأنَّ اللهَ يحب الحياة وأنه الحياة بذاتها. إنها حقيقة جيدة بالمطلق، تُفسِّرُ وجودنا على هذه الأرض وتقول لنا بأن الوقت قد حان كي نبحث عن دوافعَ أصيلة، وأسباب قصوى للإستمرار في الحياة والأمل ليس بإستطاعة التردّد أن يُعكّرَ صفوها. حان الوقت لكي نطرح الأسئلة الحقيقية، وأن نجيب عليها ونجد "المَشرق".
هذا "المَشرق" هو المسيح، الإنسان والإله. يدعونا عيد الميلاد إذاً إلى هذا "المَشرِق".
يقول لنا عيد الميلاد بأن حياتنا هي زمن مجيء. أننا نسير نحو مستقبلٍ قد يكون مأساويّاً ومُرهِقاً، لكنه مستقبلٌ نحن على يقينٍ من أننا فيه سنلتقي بالمسيح. يقول لنا عيد الميلاد بأن المستقبل الذي نهتمُّ بشأنه كثيراً، يبدأ الآن بل إنه قد بدأ. وُلِدَ يسوعُ، ومات، لكنّه قد قام.
نحن لا نسير نحو المجهول، في الظلمة. لكننا نسير نحو أمرٍ قد جاء ولا يزال باقياً. شيءٌ لايزال يتحقَّقُ في كل لحظة، ولا نستطيع نحن أن نُدَمِّرَهُ حتى ولو أردنا ذلك. نحن نسير نحو اللقاء مع شخص. يصبح هذا الوقت العصيب وقتاً حسناً متى أدركنا بأنه الساعةُ المُؤاتية لهذا اللقاء، وأننا نشعر بالحاجة إلى أمر ما، أمر يفوقنا ويجعلنا أكثر إنتباهاً للقريب، ذلك أن المستقبلَ الذي نسيرُ نحوَهُ لا يمكن أن يكون سوى تَتِمَّة كل علاقة اعتنينا بها الآنَ وهنا، رغم الظروف المأساوية التي نعيشُها.
رجاءُ هذه السنة هو إذاً السيرُ بثقة على هذه الدرب المفتوحة في بَرِّيَّةِ حياتنا، وهي تقودنا نحو ذلك المستقبل السعيد الذي له "وجه وحيد"، هو وجه الآب الرحيم الذي ينتظرنا دوماً وبأمانة، حتى اليوم.
عيد ميلاد سعيد!
Image Custodia Terræ Sanctæ
Master of the Heralding to the Shepherds, who was active in Naples during
the second quarter of the 17th century, Adoration of the Shepherds,
Terra Sancta Museum, Custody of the Holy Land
Image © Galleria Canesso
نعيش أزمنة صعبة يملأنا تعاقب المآسي والعنف فيها بالخوف. كما أن علامات نهاية الأزمنة كما تصفها لنا الليتورجية في الفترة السابقة لزمن المجيء، تبدو وكأنها صدى لأخبار زماننا الحاضر، مما يجعل من الصعب علينا إنتظار الميلاد بمشاعر الفرح والإحتفال والحيوية! يبدو وكأن الخوف يسيطر على أفعالنا، حتى الصغيرة منها التي نقوم بها كل يوم. لدينا بالتحديد خوف من الآخر، وكأننا فقدنا الجرأة على الإيمان بهذا الآخر. لم نعد نَثِق، وتراودنا تجربة الإنغلاق في دائرة صغيرة، هي دائرة مَن هم قريبون منّا. يتملكنا الخوف من المسلم ومن اليهودي ومن الشرقي أو من الغربي، وفقاً للموقع الذي نحن فيه. أصبح "الآخرون" أعداءاً لنا، ولدينا الإعتقاد بأنّ الآخرين يقفون ضدّنا، وأنهم يمنعوننا من ترجّي عالمٍ أكثرَ أماناً ومستقبلٍ أفضل.
في سوريا، كما في العراقِ والأرضِ المقدسة والشرقِ والغرب، يبدو العنفُ وكأنَّهُ السبيل الوحيد الذي يمكنه وقفُ ما يُسيطرُ علينا.
من هنا فإن ترقب الميلاد في مثل هذه الظروف، يطرح تساؤلاً على إيماننا ويُظهر الحاجة إلى رجاء أشدّ متانة. هذه هي المشاعر التي أحس بها مَن شاركَ في إحتفالِ إضاءةِ شجرة الميلاد وبركة المغارة. سمعنا أثناء الإحتفال صوتَ صفارات إنذارٍ كثيرة، وهي علامة أكيدة على وجود نزاعاتٍ وإضّطرابات. لمسنا وجود أمرٍ ما، لا يتلائم والأوضاع الحالية؛ أمر أبعد من الزمن والتاريخ.
رغم ذلك، يقول لنا الإنجيل أنّ ملءَ الزمان قد تمّ في لحظة صعبة، بينما أخذ يوحنا يدعو الناس في البَريَّةِ ليُعِدّوا طريق الربّ، مُعلناً معمودية التوبة. إن أجواءَ الفرح والأضواءَ والألوان هي أمور مهمّة للإحتفال بعيد الميلاد، تقودنا بمزيد من الحقيقة نحو المعنى الأصيل لهذا العيد. إنه اللهُ الذي يدخل في زماننا وتاريخنا اليوم. يقول لنا عيد الميلاد بأنَّ اللهَ يحب الحياة وأنه الحياة بذاتها. إنها حقيقة جيدة بالمطلق، تُفسِّرُ وجودنا على هذه الأرض وتقول لنا بأن الوقت قد حان كي نبحث عن دوافعَ أصيلة، وأسباب قصوى للإستمرار في الحياة والأمل ليس بإستطاعة التردّد أن يُعكّرَ صفوها. حان الوقت لكي نطرح الأسئلة الحقيقية، وأن نجيب عليها ونجد "المَشرق".
هذا "المَشرق" هو المسيح، الإنسان والإله. يدعونا عيد الميلاد إذاً إلى هذا "المَشرِق".
يقول لنا عيد الميلاد بأن حياتنا هي زمن مجيء. أننا نسير نحو مستقبلٍ قد يكون مأساويّاً ومُرهِقاً، لكنه مستقبلٌ نحن على يقينٍ من أننا فيه سنلتقي بالمسيح. يقول لنا عيد الميلاد بأن المستقبل الذي نهتمُّ بشأنه كثيراً، يبدأ الآن بل إنه قد بدأ. وُلِدَ يسوعُ، ومات، لكنّه قد قام.
نحن لا نسير نحو المجهول، في الظلمة. لكننا نسير نحو أمرٍ قد جاء ولا يزال باقياً. شيءٌ لايزال يتحقَّقُ في كل لحظة، ولا نستطيع نحن أن نُدَمِّرَهُ حتى ولو أردنا ذلك. نحن نسير نحو اللقاء مع شخص. يصبح هذا الوقت العصيب وقتاً حسناً متى أدركنا بأنه الساعةُ المُؤاتية لهذا اللقاء، وأننا نشعر بالحاجة إلى أمر ما، أمر يفوقنا ويجعلنا أكثر إنتباهاً للقريب، ذلك أن المستقبلَ الذي نسيرُ نحوَهُ لا يمكن أن يكون سوى تَتِمَّة كل علاقة اعتنينا بها الآنَ وهنا، رغم الظروف المأساوية التي نعيشُها.
رجاءُ هذه السنة هو إذاً السيرُ بثقة على هذه الدرب المفتوحة في بَرِّيَّةِ حياتنا، وهي تقودنا نحو ذلك المستقبل السعيد الذي له "وجه وحيد"، هو وجه الآب الرحيم الذي ينتظرنا دوماً وبأمانة، حتى اليوم.
عيد ميلاد سعيد!
Image Custodia Terræ Sanctæ
Master of the Heralding to the Shepherds, who was active in Naples during
the second quarter of the 17th century, Adoration of the Shepherds,
Terra Sancta Museum, Custody of the Holy Land
Image © Galleria Canesso